قال تعالى: "فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط وأثل وشيء من سدر قليل."
![]() |
شجرة الأثل ومنافعه العجيبة |
كان ملوك اليمن وأهلها في نعمة و غبطة في بلادهم وعيشهم واتساع أرزاقهم وزروعهم وثمارهم، وبعث الله إليهم الرسل تأمرهم أن يأكلوا من رزقه ويشكروه بتوحيده وعبادته، فكانوا كذلك ما شاء الله تعالى، ثم أعرضوا عما جاء به الرسل.
وذكر ابن عباس وقتادة والضحاك أن الله عز وجل لما أراد عقوبتهم بإرسال العرم عليهم، بعث على السد، ويقال هو سد مأرب، دابة من الأرض يقال لها الجرذ نقبته، وانساب الماء في أسفل الوادي وخرب ما بين يديه من الأبنية والأشجار وغير ذلك. ونبض الماء عن الأشجار التي في الجبلين عن يمين وشمال، فيبست وتحطمت وتبدلت تلك الأشجار المثمرة النظرة بجنتين ذواتي أكل خمط.
والخمط هو الأراك وأكلته البربر، والأثل هو شجر يشبه الطرفاء، وقيل هو الثمر، والله أعلم.
وصف النبات:
الأثل شجر من الفصيلة الطرفاوية، طويل، مستقيم، معمر، جيد الخشب، كثير الأغصان والعقد، دائم الخضرة. أوراقه صغيرة حرشفية الشكل، أزهاره بيضاء تميل إلى اللون القرمزي.
الجزء المستعمل من النبات:
الأوراق والثمار. يسيل من سيقان شجرة الأثل سائل سكري حلو المذاق، يستخدمه الأعراب في الصحراء كغذاء خلال فصل الصيف، ويعرف السائل السكري بعدة أسماء مثل: الطرف أو صلب أحمر أو طارف.
الأثل يقارب شجر السرو إلا أنه أخشن ورقًا، له ثمر كالحمص في أغصانه، ينكسر إلى حبوب صغيرة وماؤه أحمر اللون. يوجد من الأثل عدة أنواع متوسطة الحجم وسريعة النمو، جميلة المنظر، يكثر نموها على جوانب الطرق الزراعية، والأراضي الصبخة والمالحة. أكبر أنواع الأثل هو الأثل اللاوراقي أو ما يعرف باللاتينية بـ *Tamarix aphylla*، شجرة دائمة الخضرة يمكن أن يصل ارتفاعها إلى 18 متراً.
الموطن الأصلي للأثل:
هو الوطن العربي امتدادًا من المغرب العربي والمشرق العربي وصولاً إلى بعض مناطق جنوب آسيا، ويكثر في مصر، خاصة في الفيوم. يستعمل الأثل كمصد للرياح وللاستثمار.
التركيب الكيميائي لنبات الأثل:
تحتوي أوراق الأثل على مادة *Tamarixine*، ومعادن: الصوديوم، الكالسيوم، البوتاسيوم، والمغنيسيوم، كما يحتوي أيضًا على مواد عفصية بنسبة كبيرة جدًا، بالإضافة إلى حوالي 17 مركبًا فينوليًا.
تحتوي العصارة السكرية على سكاكر مثل: الجلوكوز، الفركتوز، والدكسترين.
النبات والهدي النبوي:
لم ترد أية أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر فيها الأثل، ولكن من خشب الأثل اتُّخذ منبر النبي صلى الله عليه وسلم.
الأثل في الطب القديم:
استخدم نبات الأثل عند الأقدمين كملين ومقوٍّ من الناحية الجنسية، وضد حالات الحمى والحروق.
عرف الفراعنة الخاصية القابضة لهذا النبات في طب الأعشاب القديم.
استخدم ثماره للتسمين وعلاج النحافة.
الأثل وعلماء المسلمين:
قال ابن البيطار: الأثل ينفع من ضعف الكبد شربًا، والحكة والجرب طلاء، ورماده ينفع من بروز المقعدة والبواسير، إذا طبخت أصل الشجرة بخل وشرب منه مقدار أربع أوقيات ونصف، قوي الكبد ولين أورامه، كما أنه يشفي أوجاع الأسنان.
يقول الأنطاكي: إن رماده يشد اللثة ويقطع الدم كيفما استُعمل، طبيخه ورماده بالزيت يشد الشعر والمقعدة، ويُبخر به الجدري فيسقطه.
يقول الفراء: هو شبيه بالطرفاء إلا أنه أعظم منه طولًا.
يقول بولس: في الأثل إن مغلي الأوراق والأغصان الصغيرة يستخدم في علاج استسقاء الطحال.
يقول عنه الأطباء: الأثل ضرب من الطرفاء، بارد يابس، فيه قبض وتجفيف.
ثمرته أشد قبضًا، ورق الأثل للأورام الرخوة، ودخانه يجفف القروح الرطبة والجدري، ورماده يفيد في حروق النار والقروح الرطبة، أما ثمرته مع رماده فإنها تأكل اللحم الزائد والقروح العسيرة الاندمال.
يقول العلم:
يستخدم السائل السكري المستخرج من أغصان الأثل لعلاج الحمى والحرارة الناتجة عن ضربة الشمس، ويمد الجسم بالطاقة الحرارية اللازمة له. كما يُستعمل مغلي الأوراق أو مسحوق الأغصان كمضمضة جيدة لعلاج آلام الأسنان وترهل اللثة، ويُستخدم المغلي أيضًا لعلاج الجروح.
الخمط في القرآن الكريم:
قال تعالى: *"وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط وأثل وشيء من سدر قليل."*
قال قتادة: الفاكهة أثل وشيء من سدر قليل، ذواتي أكل خمط، ثمر مر حامض بشع.
قال ابن الحجاج: يقال لكل نبت قد أخذ طعمًا من مرارة حتى لا يمكن أكله: "خمط".
وقيل: الخمط في الآية يشير الى الشجر ذو خصائص قاتلة أوإلى السم القاتل.
وصف نبات الخمط:
شجر الخمط هو الأراك من فصيلة *Salvadora persica*، يسمى بالإنجليزية "Toothbrush Tree"، وهو من أكثر أنواع النبات انتشارًا.
شجيرة معمرة، دائمة الخضرة، تنمو عادة في مجموعات متشابكة من الفصيلة الزيتونية، تكثر في الجزيرة العربية. أوراق شجيرة الأراك مفردة، زاهية الاخضرار، لها طعم ورائحة طيبة عند تذوقها.
أزهارها صغيرة، بيضاء اللون، على شكل نورات مركبة، تثمر في الصيف على شكل عناقيد تشبه عناقيد العنب.
لون الثمرة أحمر يشبه ثمرة العوسج، وعند نضجها يصبح لونها أسود. تستعمل الفروع الخضراء الرفيعة وجذور النبات في تنظيف الأسنان.
التحليل الكيميائي لجذور الخمط – الأراك:
تستعمل جذور شجيرة الأراك كمسك طبيعي عالي الفائدة، فقد أثبتت الأبحاث والتحليلات الكيميائية أن الجذر يحتوي على كمية كبيرة من الكلورين، وكذلك على مادة ثلاثي الميثيل، بالإضافة إلى الراتنج، والسيليكا، والكبريت، وفيتامين (C).
السيليكا تساعد على تبييض الأسنان، في حين أن الراتنج يشكل طبقة خارجية على الأسنان تحميها من التسوس.
مادة ثلاثي الميثيل تقوم بتنشيط اللثة، وفيتامين C يساعد على علاج الالتهابات الإسفنجية والنزيف الذي يصيب اللثة.
فوائد الخمط:
ثمار الأراك المعروفة بالكباث أو البرير طعمها طيب، تفتح الشهية وتقوي المعدة، وهي مفيدة في الهضم ولها فوائد طبية كثيرة. يأكل البشر والطيور منها، والإبل ترعى أغصانها، وتكسب لبن الماشية التي تأكلها رائحة طيبة.
تعمل جذور الأراك على تثبيت التربة الرملية بالأرض، لذلك عمدت بعض الدول العربية إلى زراعته في الصحارى.
يعد الأراك من أفضل الأشجار التي يُتخذ منها السواك.
الموطن الأصلي للنبات:
الموطن الأصلي للنبات: الجزيرة العربية، وأفريقيا، وجنوب آسيا، وشبه القارة الهندية.
تعرف فروع شجيرة الأراك في المنطقة العربية بالمسواك، وفي تنزانيا بـ"مسواكي"، وفي إثيوبيا "ميفاكا"، وفي الهند وباكستان "داتون" و"مسواك". وهو من الفصيلة الأراكية.
النبات والهدي النبوي:
شجيرة الأراك الطيبة والمباركة من الشجيرات الطبيعية والأصيلة في البلاد العربية، ومنها يُستخرج السواك النبوي الذي أوصى به الرسول عليه الصلاة والسلام، فقال: *"السواك مطهرة للفم، مرضاة للرب."*
بعد أبحاث علمية ودراسات، وُجد في المسواك الكثير من المواد الفعالة التي يحملها بين أليافه من مطهرات كالسنجرين، ومواد قابضة تقوي اللثة كالعفص، وزيوت عطرية حسنة النكهة تُطيب بها رائحة الفم، وكلوريد الصوديوم، وبيكربونات الصوديوم، وكلوريد البوتاسيوم، وأوكسالات الجير، بالإضافة إلى مواد عديدة تُجلي وتُنظف الأسنان.
كما أن بعض المواد التي في المسواك تقتل الجراثيم، وفيها عناصر ذات أثر وفعل يشبه فعل البنسلين، وهكذا نجد أن المسواك مطهرة للفم والأسنان حقاً وصدقاً.
الأراك وعلماء المسلمين:
قال ابن البيطار في كتابه "الجامع لمفردات الأدوية والأغذية": شجر السواك ذو فروع شائكة، وثمره في عناقيد، منه البرير وهو أعظم حبًا وأصغر عنقودًا، وله عجمة صغيرة مدورة صلبة، وهو أي ثمر أكبر من الحمص بقليل، وهو يملأ الكف، وأكبره الكباب فوق حب الكزبرة.
الخمط ليس له عجمة، وعناقيده تملأ الكفين.
كلاهما يبدو أخضر ثم يحمر ويحلو ثم يسود فيزيد حلاوة، وفيه بعض حرقة في مذاقه.
يقول أبو حنيفة الدينوري عن الخمط: هو أفضل مستيكة بفرعه من الشجر، وأطيب ما راعته الماشية، ذو رائحة لبن.
يقول العلم:
إن مسواك الأراك يحتوي على مواد مطهرة وقاتلة للميكروبات، أهمها الكبريت ومادة بيتا-سيتوستيرول، كما يحتوي على الصوديوم. تشير الأبحاث والتجارب على أن السواك يحتوي على مادة باستطاعتها ان تكبح نزيف الدم، ومطهرة جيدة للثة، ومعقم للجروح المتعلقة باللثة، وكذلك يحتوي في أليافه على كميات كثيرة من الأملاح المعدنية، وشوارد الكالسيوم، والحديد، والفوسفات، والصوديوم.
يحتوي السواك على نسبة من فيتامين C، ومعلوم عند العلماء أن المشاركة بين هذا الفيتامين والمضادات الحيوية تُعد من أرفع مستويات التقنية الطبية. كما يحتوي على مادة التانين المساعدة في تقوية النسيج اللثوي الضعيف و المرتخي.
فلننظر إلى رحمة الله سبحانه وتعالى بعباده حين أبدل بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط، حتى الخ
مط جاء فيه الكثير من الفائدة للإنسان، فالله جل وعلا لا يسخى بعبده وإن أسرف على نفسه.